السدم

هاني الضليع


( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ) فصّلت 11

يطلق اسم السديم على كل غبشة في السماء ، وهي الغازات أو الأغبرة الفلكية المظلمة أو اللامعة والتي تغطي مساحات واسعة بين نجوم السماء يمكن أن تصل عشرات أو مئات السنوات الضوئية ، ومعظمها يتكون من غاز الهيدروجين المادة الأولية للنجوم . وهذا السديم ربما كان رقيقاً جداً بحيث لا يظهر له أثر وقد يكون سميكاً يخفي ما خلفه أو بين هذا وذاك . وأصل معنى كلمة سديم هو الغيمة ، وهي كلمة محدثة لم يكن علماء العرب استخدموها ، فقد استخدم عبد الرحمن الصوفي في كتابه صور الكواكب كلمة ( اللُّطخة السحابية ) للتعبير عن نفس المفهوم وذلك عندما وصف ولأول مرة مجرة المرأة المسلسلة التي تبدو للعين المجردة كالسديم ، واستخدم البيروني لوصف السدم كلمة السحابيات . وفي السماء أشكال من السدم يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع :
أ ) السديم المجريGalactic Nebulae :
1 ) السدم المظلمة ( الامتصاصية ) Absorption Nebulae:
2 ) سدم الانعكاسReflection Nebulae :
3 ) سدم الإشعاع Emission Nebulae :
ب ) السديم الكوكبي Planetary Nebula :
ج ) بقايا الانفجارات النجميةSuprnova Remnants:
وفيما يلي تفصيلها :-

أ ) السديم المجريGalactic Nebulae : نسبة إلى المجرّة ، وهي الغازات والأغبرة المنتشرة هنا وهناك في المجرة ، إضافة إلى أن بعضها يمكن أن يرى في المجرات القريبة الأخرى كمجرتي ماجلان ، وهي على ثلاثة أنواع :

1 ) السدم المظلمة ( الامتصاصية ) Absorption Nebulae هي كتل غازية ضخمة من الغاز والغبار الباردين ، تحجب كل شيء خلفها وتحتل بقاعاً كبيرة من القبة الفلكية ويمكن رؤية بعضها بالعين المجردة . ومنها ما هو الصغير الذي يدعى المتكورات Globules لشكل بعضها الكروي والتي لا تحتل سوى عشرات الوحدات الفلكية مساحة في السماء . وتشير بعض الدراسات إلى أن المراحل الأولى لتكوّن النجوم تحدث داخل هذه السدم . وقد كان وليام هيرشل الفلكي البريطاني الذي اكتشف كوكب أورانوس كلما رصد السماء ووقع على بقعة من هذا النوع اعتقد أنه ثقب في السماء ، (الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ) الملك 3 .
فإذا ألقيت نظرة على المجرة ناحية برج الرامي ( القوس ) ستجد أن النهر المضيء المنساب قد انقسم على نفسه قسمين بينهما ظلام دامس ، هذا الظلام ما هو إلا غبار فلكي كثيف ( سديم مظلم ) يحجب مركز المجرة عنا . وأشهر السدم المظلمة في المجرة سديم رأس الحصان في مجموعة الجبار والذي يسمى أيضاً الخليج المظلم . وهناك سدم يطلق عليها اسم أكياس الفحم لشدة اسودادها ، وأهم تلك الأمثلة كيس الفحم Coal Sackالموجود بين نجوم مجموعة الصليب الجنوبي وهي مجموعة لا يمكن رؤيتها من الأردن لانخفاضها ، وبالضبط يرتفع فوق أفق عمان منها نجم واحد فقط لأقل من درجة فوق الأفق الجنوبي ( لو كانت السماء مثالية ) . وهناك أكياس فحم أخرى ، فهناك واحد في مجموعة الدجاجة إلى الجنوب الشرقي من ذنب الدجاجة . وآخر من نجم دلتا قيفاوس .

2 )سدم الانعكاسReflection Nebulae : وهي سدم تتكون من أغبرة وغازات تعمل على تشتيت الضوء القادم من النجوم الموجودة خلف أو خلال السديم والتي ليس من الضروري أن تكون جميعها مرئية . من أمثلتها السديم الكبير في الجبار والذي يعد رأس الحصان جزءاً منه … وسديم الثريا تلك الغازات المحيطة بنجوم الثريا والتي تعكس الأشعة الصادرة عن نفس النجوم .
3 )سدم الإشعاع Emission Nebulae : وهي سدم مضيئة بذاتها ، وإضاءتها ناتجة عن تأين غازاتها التي تتوهج بسبب وجود نجوم خلفها أو فيها شديدة الحرارة تبعث أشعة فوق بنفسجية تستثير ذرات السديم فتؤدي إلى توهجها . والسدم الإشعاعية هي أماكن ولادة النجوم بسبب حرارتها الذاتية ولوجود كميات كبيرة من الغاز والغبار فيها .
ومن أهم الأمثلة على هذه السدم سديم الجبار M 42 الذي يبعد عنا مسافة 1500 سنة ضوئية وهو كبير جداً ، فقطره يصل قرابة الثلاثين سنة ضوئية ، فلو وضعت الشمس في طرفه لأمكن وضع نجم النسر الواقع في الطرف الآخر علماً بأن النسر الواقع يبعد عنا مسافة 27 سنة ضوئية فقط . لكن كثافة هذا السديم ضئيلة جداً لدرجة أنها تقارن بالفراغ الناتج عن آلة تفريغ الهواء في المختبر ، ومع ذلك فهو على تلك المسافة مرئي بالنسبة لنا ، ويعد متوهجاً بسبب وجود أربعة من نجوم الجبار شديدة الحرارة مغموسة فيه هي المسؤولة عن إضاءته وتدعى Trapezium ، ويقدر عمرها بمليون سنة فقط .
ومن الأمثلة الأخرى على السدم الإشعاعية سديم البحيرة Lagoon Nebula في برج القوس والمعروف بـ M 8 . وسديم الوردة Rosette Nebula في مجموعة وحيد القرن والتي تبعد عنا 5500 سنة ضوئية ويبلغ عرضها 130 سنة ضوئية . والسديم الثلاثي في القوس الذي يبلغ قطره أربعين سنة ضوئية وقد دفنت فيه مجموعة من النجوم الحارة التي تسبب إشعاعه ، وهو من أماكن ولادة النجوم . وسديم النسر المشهور M 16 والذي صوره تلسكوب الفضاء هابل كحواضن النجوم الوليدة ، وهو في حقيقته عنقود نجمي مغموس في كم هائل من الغازات . وكذلك السديم العظيم في مجموعة القاعدة Carina Nebula الذي هو عبارة عن هيدروجين مؤين بسبب النجم الغريب في وسطه ( نجم إيتا القاعدة ) ، ويحتل هذا السديم مساحة في السماء قطرها ثلاث درجات بما يعادل قرابة 400 سنة ضوئية ، أي أنه أكبر بكثير من سديم الجبار ، وسديم الرامي الشرقي قرب مركز المجرة .

ب ) السديم الكوكبي Planetary Nebula : وهو حلقات أو كرات من الغاز اللامع تحيط بنجم في وسطها ضمن مراحل تطور النجم وهي مرحلة العملاق الأحمر في طريقه ليصبح قزماً أبيض . ويتمدد هذا الغلاف بسرعة تقارب العشرين كيلومتر في الثانية. ويقدر العمر اللازم لهذا الغلاف حتى يصبح رقيقاً جداً غير مرئي لنا قرابة 35 ألف سنة . ولا علاقة لهذه السدم بالكواكب ، فقد أطلق عليها هذا الاسم مرة أخرى خطاً وليام هيرشل ظناً منه أن هذا الشكل ربما يحوي نظاماً كوكبياً .
والسدم الكوكبية من أجمل المناظر السماوية ألواناً ، فالحلقات هي الغلاف الخارجي الذي انفجر عن النجم بعد تمدده، ويضاء بسبب الأشعة فوق البنفسجية التي يبثها النجم المتكشف قلبه والذي يبلغ درجة حرارته أكثر من عشرين ألفاً. ومن أمثلتها:
سديم الأثقال M 27) Dumbbell Nebula ) في مجموعة الثعلب ، ويحتل مساحة في السماء قطرها ربع درجة ، وهو أول السدم الكوكبية اكتشافاً ، وهو مكون من غلافين على الأقل وفي وسطه نجم أبيض مزرقّ من القدر الرابع عشر يمثل تحدٍياً لهواة الفلك ، ويبعد عنا3500 سنة ضوئية . والسديم الحلقي M 57 في مجموعة القيثارة ، واحد من أسهل الأهداف لدى الهواة ، فقطره بقدر بثلث سنة ضوئية وبعده 2000 سنة ضوئية، ويقدر عمره بـ 5500 سنة لأن معدل سرعة تمدده 19 كيلومتر في الثانية . والسديم اللولبي Helix Nebula في مجموعة العقاب ، يعدّ أقرب السدم الكوكبية منا إذ يبعد 400 سنة ضوئية فقط ، وقطره في السماء ربع درجة ، أي أنه أكبر السدم الكوكبية ظاهرياً في السماء . ويقطن مركزه قزم أبيض من القدر الثالث عشر تصل درجة حرارة سطحه إلى قرابة 50 ألف كلفن . ويعود سبب اللون الأزرق إلى ذرات الأكسجين المؤينة ، وأما اللون الأحمر فيعود إلى ذرات النيتروجين والأكسجين المؤينين .
وهناك سدم كوكبية أخرى كثيرة كسديم عين القط Cat’s Eye Nebula الذي في مركزه نجمان رئيسيان . وسديم زحل Saturn Nebula في العقاب ، وسديم البومة في الدب الأكبر . وسديم وجه المهرج Clown Face Nebula في التوأمين ، وسديم الإسكيمو من صور هابل والذي يشبه وجه رجل الإسكيمو ، والسديم الحلقي الجنوبي . وغيرها من السدم التي يربو عددها على 130 سديماً كوكبياً .

Related posts

Leave a Comment